الجمعة، 27 ديسمبر 2013

سيدي لخضر بن خلوف ... كنوز شعرية لا تزال محل بحث المختصين



لم يتوقف الزوار يوما في التوجه إلى الضريح طالبين بركاته منذ عقود طويلة، يحجون إليه من كل حدب وصوب وفي سائرا لأيام ، حافلات ومركبات مختلفة تركن أمام المدخل الرئيسي الذي تستقبلك فيه تلك النخلة الباسقة ملوحة من بعيد محاولة احتضان الزائرين الذين يجوبون المكان بأعداد كبيرة ، لكل منهم مقصد ولكل مقصد حكاية بسردها الزائر تارة في سر وتارة علانية منتظرا مباركة الولي الصالح سيدي لخضر بن خلوف .
منذ زمن بعيد تحول ضريح ’’سيدي لخضر بن خلوف’’ بمستغانم إلى قبلة للعديد من المواطنين الذين يزورونه دون انقطاع حيث يعرف ضريحه إقبالا كبيرا على مر الأيام رغم وجوده على بعد 3 كيلومترات في أعالي بلدية سيدي لخضر التي سميت باسمه تبركا به ،ورغم ذالك فان مقام هذا الولي الصالح يقصده زواره من كل مكان للتبرك والدعاء لذويهم اعتقادا منهم بأهمية هذه الزيارة وما عليها من فضل كبير يعود عليهم بالخير والبركات..كيف لا وهو الولي الصالح الذي رأى في منامه سيد الخلق محمد (ص) 99 مرة بالتمام والكمال .
تلك النخلة الشهمة أول ما ينبأ الزائر بوصوله إلى المقام ، والطريق المؤدي إلى سيدي بولحية يوجد به قبر السيدة (كلة ) أم الولي سيدي لخضر بن خلوف والتي ذكرها في قصائده قالا :

يارب لا تخيب ضني بجاه صاحب الشفاعة
أمي مكلفة بمحاني من صدرها رضعت رضاعة
وخدمتها بكل مسالة بحسن دعوتها كافاني القهار
ارحم عظام أمي كلة يا رب نرغبك بحوادث الأجفار

وبالقرب منها يوجد أيضا قبر زوجته السيدة( كنو)، قبل الوصول إلى خيمة الشعر التي تبعد عن المقام بـ 100 متر وهي عبارة عن قبو صغير قيل بأن الولي الصالح كان ينصبها ليشرع في تدوين قصائده، وغير بعيد من هنا يرقد الولي مع نخلته التي تطلع من الضريح تعانق السماء الفسيحة وبالقرب من هناك مقام الكرامة الذي يحتوي على آثار فرسه وعصاه على الصخر.

النخلة المباركة تحتضن الزوار وتربطهم بتاريخ الأولين

اقترن وجود النخلة بموقع مداح الرسول (ص) وامتد جذعها يحيط بضريح الولي الصالح، هذه النخلة ،المباركة تعرضت إلى محاولات البتر والحرق خلال العشرية السوداء، لكنها أبت إلا أن تبقى شامخة لتشهد التاريخ على حكاية هذا الشاعر المجاهد المتصوف وتتواصل مع الأجيال تحاكي لهم الزمن الغابر الذي عج بشعراء خاتم الأنبياء ا،وفي هذا المقام تقام كل عام أفراح وولائم تتخللها أهازيج مصحوبة باستعراضات لفنون الفروسية ، وتشارك فيها فرق البارود في النهار فرق الموسيقى الشعبية ليلا ، ولا تغنى في تلك الأماسي سوى قصائد من نظم سيدي لخضر بن خلوف في مدح الرسول (ص).، كما يقام سنويا الركب من طرف محبي سيدي لخضر بن خلوف بمعية أحفاده لمدة يومين متتاليين .وقال الولي الصالح قبل وفاته عن تلك النخلة : ’’النخلة المثبتة من بعد اليبوس، حذاها يكون قبري يا مسلمين’’.
وهو ما يؤكد تركه لوصيته بدفنه بالقرب من تلك النخلة الشامخة

تظاهرات دينية وطقوس منذ زمان تتوارثها الأجيال

يشهد ضريح سيدي لخضر بن خلوف العديد من النشاطات الدينية الأخرى إضافة إلى تلك الزيارات اليومية للمواطنين ، حيث ينظم داخل هذا الضريح مهرجان الولي الصالح سيدي لخضر بن خلوف والذي تشارك فيه العديد من الفرق تقدم استعراضات مختلفة على غرار عروض في فنون الفروسية، إضافة إلى تلاوة جماعية للقرآن الكريم بضريح سيدي لخضر بن خلوف على مدار أيام متتالية موازاة مع ذالك تقدم المداخلات والمواضيع المتصلة بمناقب ومآثر الشيخ المجاهد والشاعر سيدي لخضر بن خلوف ، فيما يستعرض الشعراء ما جادت به قرائحهم من شعر وأدب شعبي تعنى بمدح صاحب الرسالة محمد (ص) في أمسيات شعرية مع استمرارتلاوة القرآن الكريم بعد صلاة العشاء طيلة ليالي المهرجان .

أحلام وأمنيات داخل قبو البركات

وعلى غرار الأماكن التي يرتاها الزوار لغايات متعددة ،يوجد في المقام قبو الأمنيات،يدخله الزوار ويجوبونه سبعا وهم يمنون النفس بأغلى الأماني سرا وعلانية ، بعضهم يطلب شغلا، وأخريات يطلبن زوجا صالحا، وآخر يريد أن تصبح تجارته مباركة ومالا يقيه شر الفقر ، وآخر يمني النفس بربط الوصال مع حبيبته ، لتختلف الأمنيات، حتى من تلك الأماني ماهر مضحك إلى حد البكاء ،على غرار ما ردده احد الزوار وهو يستمع إلى زائر يطلب من الولي الصالح أن يسهم في إيجاده على قطعة ميكانيكية لسيارته الراكنة في المرآب، كل هذه الأمور تحدث والولي يرقد عند النخلة، التي يقدر عمرها بالقرون ومازالت شامخة تحتضن زوار المقام لتسرد لهم حكايات الولي سيدي لخضر بن خلوف وعن كراماته التي ليست لها حدود .

المدرسة القرآنية فخر الأحفاد

وأنت تجوب المقام يترامى لك على جانب المدخل يسارا مكتبة المقام والتي يقبع بها شيوخ ومدرسي القران الذين يسخرون أوقاتهم من أجل تعليم العديد من أبناء المنطقة تعاليم الدين وتحفيظ القران الكريم ، وتجويده حيث امتلأ المكان بشيوخ الزاوية الذين ينسبون أنفسهم إلى الشيخ سيدي لخضر بن خلوف على اعتبار أنهم من سلالته وهو ما أكده لنا الكثيرون منهم ، معتبرين أن المقام هو ملك للجميع لأن الولي سيدي لخضر كان من الصالحين والعابدين ، وعلينا أن نبقى على ما كان يحبه من مدح الرسول وتلاوة القران ، الأمر الذي شجعنا على المواصلة في إرساء هذه المدرسة القرآنية التي يرتادها الكثيرون طلبا للعلم والتزود بالزاد الذي لا يفنى ، واعتبر أحد الشيوخ انه لحد اليوم لا تزال هذه الزاوية القرآنية تمول من طرف المحبين والمحسنين أملا أن يصل صداها إلى كل الأقطار كما وصل اسم سيدي لخضر بن خلوف على مدى العصور .

الوجيز المعروف في حياة سيدي لخضر بن خلوف

اعتبر الحاج بوفرمة وهو واحد من سلالة سيدي لخضر بن خلوف ، والذي ألف ديوان تحت عنوان الوجيز المعروف في حياة سيدي لخضر بن خلوف انه وبالنظر لتعلقه بشعر سيدي لخضر حاول في تجربته الثانية في تأليف هذا الديوان الذي سبقه بديوان أول سماه ديوان سيدي لخضر بن خلوف -حياته وقصائده يحتوي على 49 قصيدة ، كما يتحدث فيه عن حياة الشاعر كاملة ، مضيفا بأن لديه حوالي 110 من قصائد سيدي لخضر فيما يملك الباحث عبد القادر بن دعماش على 150قصيدة ، وقال الحاج بوفرمة أن سيدي لخضر يملك أزيد من 500 قصيدة مخباة في القبور التي كان يرتادها والتي تحدث عنها في قصائده حيث يقول :

عندي خزنة من القصايد مغبورة
هي لبن خلوف تشهد

كما لمح الحاج بوفرمة عن مشروع انتاج فيلم حول حياة الشيخ في فيلم وثائقي مؤكدا بأنه على اتصال مع العديد من المؤرخين والدكاترة من اجل رساء هذا الحلم ، كما أكد بأنه يعمل على ترجمة العديد من القصائد الى اللغة الفرنسية للتمكين الاجانب من التمتع بهذا التراث الكبير والمهم في الجزائر.

من هو سيدي لخضر بن خلوف

اسمه الحقيقي أبومحمد لكحل بن عبد الله بن خلوف المغراوي ، ينحدر هذا الولي الصالح من قبيلة الزعافريةالتي تنحدر من السلالة الشريفة،وهو من أشهر وأكبر الأولياء الصالحين في الجزائر، ولد لخضر بن خلوف في حدود سنة 899 هجرية (1479 ميلادية) وتوفي في سنة 1024 هجرية الموافق ل(1585 ميلادية)، عاش 125 سنة وستة أشهر في القرن التاسع الهجري وهوماأكده في إحدى قصائده، حيث كان شاهدا على واقعة مزغران. قضى الجزء الأكبر من حياته في بلدة مزغران، ويعد أحد حراس مدينة مستغانم السبعة، أشعاره تخطت شهرتها حدود مسقط رأسه وبلده الجزائر. تزوج بن خلوف امرأة تدعي ’’غنو’’ وهي ابنة الولي الصالح سيدي عفيف شقيق سيدي يعقوب الشريف المدفون بغرب مدينة سيدي علي. وقد رزق منها ببنت اسمها حفصة، وأربعة ذكور هم (احمد، محمد، أبا القاسم، الحبيب) وهي كلها أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، أما ابنته فاسمها حفصة. وسمي لخضر بدلا من اسمه لكحل، ومرجع ذلك إلى سنة حميدة للنبي صلي الله عليه وسلم، تقضي باتباع الفال الحسن، فلكحل معناه الأسود ويرمز إلى االشؤم، عكس لخضر الذي هولون الإسلام

الشاعر المجاهد والمؤرخ لحقبته التاريخية

كتب بن خلوف المئات من القصائد و الأبيات ، تحكى في بعضها مغامراته وحياته، لكن الجزء الأكبر منها خصصه لمدح سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، ليكنى بمادح النبي صلى الله عليه وسلم.جعل سيدي لخضر بن خلوف الشعر الشعبي أو ما يعرف بالشعر الملحون في متناول الجميع، لسهولته وحسن سبكه ورقّة الألفاظ وخفة الأوزان ما سبب في شهرته وانتشاره، كما عرّف بكبار شيوخ هذا الفن من أمثال المغراوي، المجدوب، النجار، سيدي معمر وغيرهم.. ويشير كتاب ’’سيدي لخضر بن خلوف حياته وقصائده’’ ، إلى أنّ إنتاج سيدي لخضر بن خلوف الشعري تأثر بنزعته الصوفية، فانقطع إلى مدح النبيّ صلّى الله عليه وسلم ولم يخرج عن ذلك إلاّ في قصيدة قصّة مزغران التي سرد فيها تلك المعركة الشهيرة التي انتصرت فيها القوات الجزائرية ضد قوات الاسبانية وذلك يوم 28 أوت 1558م. ولذا فهومرجعا هاما لحقبة مميزة من تاريخ الدولة الجزائرية، من خلال الوصف الدقيق للأحداث في قصيدتين يروي فيهما ما وقع في ساحات الحرب التي خاضها هو شخصيا ضد الإسبان، في معركة ’’قصة شرشال’’ وهي مدونة تاريخيا، وهي عبارة عن مغامرة طويلة في المقاومة كانت بدايتها الجزائر شمالا مرورا بالبليدة والأصنام ومستغانم ثم مزغران غربا، حيث يقول:

’في جبل شرشال حطينا للقتال، يحق في ذاك اليوم امرا بكاية

ويصف في هذه القصيدة الملحمة، حالة الجيش الجزائري ومكانته فيه بعد أن كلفه السلطان خير الدين بتجنيد المقاتلين والصلح بين القبائل المتناحرة ودعوتها إلى التوحد في وجه الغزاة، ، أما المعركة الثانية فهي معركة مزغران الشهيرة التي وقعت أحداثها يوم 22 أوت 1558 بعد أن تمكنت قوات الغزاة الإسبان دخول بلدة مزغران التي تبعد 4 كلم غرب مستغانم بالنظر لما كانوا يملكونه من عدد وعدة ، وصادف ذلك عودة المجاهدين إلى مستغانم وسيدي لخضر بن خلوف أحدهم، ، وانطلقت الحملة الإسبانية من وهران تحت قيادة الكونت دالكوديت الذي جر وراءه جيشا مدججا بالأسلحة والمدفعية قوامه 12 ألف جندي تدعمهم جماعات من الأعراب الخارجة عن طاعة أولي الأمر من قبائل الغرب ، ، وبعد مقاومة قصيرة استسلم الغزاة فكانت الهزيمة والغنيمة ما حفز وشجع المجاهدين الجزائريين، الأمر الذي زعزع ثقة الغزاة فانهارت معنوياتهم.وتذكر بعض الروايات أنّ الوالي الصالح سيدي بومدين الشعيب كان له عظيم الأثر في نزعة لخضر بن خلوف الصوفية، وتوجيه اهتماماته الشعرية نحو مدح النبي عليه الصلاة والسلام، والذي يؤكد أنه رآه في المنام 99 مرة.
وكتب الشاعر لخضر بن خلوف الكثير من القصائد في مدح النبي (ص) حتى لقب بمداح خاتم الأنبياء ومن بين ما قاله في الرسول الكريم هذه الأبيات :

الصلاة والسلام
صلى الله على فارس الوغى والوكيد
قدر ما في ملك الله وما يريد
وما ينقص في كل يوم وما يزيد
وكل من يبعث في نهار حره شديد
قدر الفضة والنحاس والذهب والحديد
قدر ما لبست الأرض من اللباس الجديد

وما صبت الأمطار من سماها تفيض وهي قطرة من بحر ماكتب لخضر بن خلوف الذي لايزال العديد من الشعراء والمطربين يبخثون عن كنوزه من الشعر الذي هام به الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق